السبت، 28 أبريل 2018

هل باع الفلسطيني أرضه؟







تحدّثّنا في التدوينة السّابقة عن: كيف كان الطّريق إلى تصريح بلفور؟! ومدى أهمّيّته، لماذا كانت موافقة أمريكا مهمّة على هذا التّصريح؟، ولماذا لا نستطيع مقاضاة بريطانيا على تصريح بلفور؟

 في هذه الحلقة، سنتحدّث عن:

الأفكار التّي احتوى عليها نصّ التّصريح، عن ردّة فعل الفلسطينيّين، وكيف حاولت بريطانيا شراء الأراضي وحيلها في ذلك، وأخيرًا سنتحدّث عن دور هربرت صموئيل في تطبيق  تصريح بلفور على أرض الواقع.



الأفكار التّي نصّ عليها التّصريح:

أوّلا: الحديث عن الصّهيونيّة اليهوديّة وليس اليهوديّة، فهذه تطلّعات الصّهاينة اليهود الذّين هم حلفاء بريطانيا ممثلّين بالاتّحاد البريطاني الصّهيوني.

ثانيا: الحديث عن فلسطين ككيان جغرافي.

ثالثا: إنّ بريطانيا تستخدم كلّ قوّتها من أجل تحقيق استعمار فلسطين صهيونيّا.

رابعا: غير اليهود في فلسطين، لا يوجد اعترافا بأنّهم الأغلبيّة ولا يوجد وزنا لهم وليس لهم حقوق سياسيّة، لهم فقط حقوق مدنيّة ودينيّة.

خامسا: اليهود داخل فلسطين، لا يوجد اعتراف بأنّهم أقليّة على العكس لهم حقوق سياسيّة داخلها وخارجها.



الأهميّة القانونية لتصريح بلفور:

إنّ تصريح بلفور أصبح جزءا من صكّ الانتداب، حين صادقت عليه عصبة الأمم سنة 1922

أصبح جزءا من القانون الدّولي وأصبح لزاماً على بريطانيا أن تطبّقه، وهي التّي أصرّت أن تُدخله في صكّ الانتداب؛ ذلك أنّ الصّهيونيّة أصبحت هدفا رسميّا لسياسة بريطانيا الخارجيّة، وبعد خمسة أسابيع من التّصريح سيطرت بريطانيا عسكريّا على فلسطين.


ردّة فعل يهود فلسطين:

علم العرب بتصريح بلفور بعد أسبوع من إصداره، بعدما نُشر في الصّحف البريطانيّة والأمريكيّة في 9 نوفمبر 1917. وكان هناك يهود عرب فلسطينيّون ضدّ الصّهيونيّة، لكنّهم قلّة وبدون أن يفهموا التّصريح وتبعاته رحّبوا بمقدم يهود مثلهم لإعتقادهم أنّهم يهود مستثمرين.

صُدم العرب لأنّهم كانوا الأغلبيّة، وبريطانيا تَعِدُ بوطن قومي للصّهاينة في فلسطين حتّى عند قدوم البريطانيّين والصّهاينة أنفسهم أمثال "حاييم وايزمان" لم يخبروا العرب بأنّهم يريدون كلّ فلسطين بل كانوا يقول نحن أبناء عمّ ونريد جزءا صغيرا من فلسطين، ونريد وطنا قوميّا في فلسطين، وليس كل فلسطين.


هل كانت بريطانيا تخفي تصريح بلفور ليكون سرّيّا ؟

عمدت بريطانيا إلى استغلال تصريح بلفور في دعايتها النّفسيّة خلال الحرب العالميّة الأولى، وأنشأت دائرة خاصّة بنشره فصارت ترميه بالمناشير فوق ألمانيا والنّمسا وطلبوا فيها مساعدة اليهود الذّين كانوا في روسيا وألمانيا حتّى يوقفوا القتال مع بريطانيا وحلفائها.


هل باع الفلسطيني أرضه؟

 الحركة الصّهيونيّة حاولت شراء أراضي وتجنيد أغنياء اليهود، وهنالك عرب من فلسطين ولبنانيّين ومن كل الجنسيّات باعوا أراضيهم للصّهيونيّة، ولم يكونوا يفهمون ما هي الصّهيونيّة في غالبيّتهم العظمى، فلم يكونوا يعلمون أنّها استعمارية، بل كانوا يعتقدون أنّهم مستثمرون، وحتّى لمّا بدؤوا في طرد أهالي مرج ابن عامر 1908/1907 حينها أدرك البعض هذا، ولكن لم يفهم الجميع المغزى من ذلك. مِن الذّين أدركوا ذلك ناجي العازوري ونجيب نصار صحفيّان مهمّان كانا ينبّهان النّاس أنّ هذه الصّهيونيّة خنجر في الوطن العربي، ولكنّ أغلبيّة النّاس لم تفهم ذلك، لكنّ الحركة الصّهيونيّة رغم كلّ الأموال التّي كانت عندها والتّي ظهرت أكثر في الثلاثينات والأربعينات لم يستطيعوا أن يشتروا أو يتملّكوا من الانتداب البريطاني الذّي ملكهم الأراضي المشاع وأراضي الدولة وأراضي كثيرة أعطاها لهم الانتداب، ليس بالشّراء وكلّ الأراضي التّي أعطاهم إيّاها الانتداب بالإضافة إلى كل الأراضي التّي استطاعوا أن يشتروها لم تشكّل أكثر من 5 % من مساحة فلسطين، وفعلا بدأت النّاس تحّرم بيع الأراضي لليهود لأنّهم بدؤوا بفهم ما يحصل، إذن حتى 1948 لم يستطيعوا الصّهاينة أن يسيطروا على أكثر من 5 % لذلك عملوا على التّطهير العرقي أي أنّهم لو استطاعوا الشّراء حسب مخطّطاتهم أراضي أكثر والأهالي تخرُج لوحدها بدون تطهير عرقي وبدون تهجير وبدون نكبة لفعلوا ذلك.



هربرت صموئيل هو أوّل مندوب سام بريطاني في فلسطين:

هربرت صموئيل الذّي كتب وثيقة مستقبل فلسطين قال: "العام القادم سنكون في القدس" وفعلا في عام 1920 أصبح هو أوّل مندوب سام بريطاني، وبالتّالي سيطرت بريطانيا عسكريّا على فلسطين في ديسمبر 1917، أما "لويد جورج" عندما دخل القدس قال: "هذا انتصار للحروب الصليبيّة هديّة الكريسماس هديّة عيد الميلاد"، لكنّ تطبيق تصريح بلفور لم يبدأ إلّا في عام 1920 لمّا أتى هربرت صموئيل أحد صنّاع تصريح بلفور الرّئيسيين وصهيوني يهودي وهو الذّي أمسك زمام أعلى منصب للانتداب في فلسطين، والذّي عيّنه الانتداب البريطاني عام 1920 ومكث في فلسطين خمس سنوات. وُتظهر بعض الصّور جلوسه مع مجموعة وكأنّه ملك المكان كلّه وكأنّه أهمّ شخص في فلسطين، وكان عنده سلطات هائلة هناك، فعمل على تطبيق تصريح بلفور نصّا وروحا وتفصيلا، وأصبح كأنّه لزام قانوني على بريطانيا أن تقدّمه لعصبة الأمم، لمّا صار تصريح بلفور ضمن صك الانتداب الذي صادقت عليه عصبة الأمم في 1922. فأصبح هربرت ُيقدّم تقاريرا لعصبة الأمم، أمّا الجيش البريطاني فقد فرض قرابة 100 قانون خلال خمس سنوات، فصّل كل شيء له علاقة بالصّهيونيّة بمعنى أنّه أسّس جيشا للصّهيونيّة في 1920 وفصّل الكهرباء والماء ولم يكن لشركة الكهرباء الصّهيونيّة أيّة علاقة بشركة الكهرباء العامّة.

 وكان هناك فيلق صهيوني أسّسه جابوتنسكي عام 1917، قبل أن يأتي هربرت صموئيل بثلاث سنوات ويؤسّس الجيش وفصل الكهرباء والماء الصّهيوني عن الفلسطينيين وكذلك المدارس ولم يدرس الصّهاينة اليهود في المدارس مع المسلمين والمسيحيّين الفلسطينيّين، أي صنع نظاما مدرسيّا كاملا خاصّا بهم، وكذلك نظام الكهرباء والمياه، وضمّ فيلق جابوتنسكي للهاجانا لأنّ الهاجانا أكبر بكثير من الفيلق وأسّس سنة 1925 الجامعة العبريّة، وقبل أن يغادر فلسطين كان قد افتتحها في القدس، وسّن 100 قانون يسهّل تأسيس وطن قومي لليهود أي وضع القاعدة الأساسيّة لتطبيق تصريح بلفور وتأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين.


 افتتاح شارع في القدس عام 1924:

هنالك صور تُظهر افتتاح شارع في القدس عام 1924 ومكتوب عليها بثلاث لغات العربيّة والعبريّة والإنجليزيّة، فأوّل قرار اتّخذه صموئيل عام 1920 جعل اللّغة العبريّة اللّغة الرّسميّة مع الإنجليزيّة والعربيّة لفلسطين، بعد كلمة فلسطين في العبراني كتب حرفين "فلسطين يرتز إسرائيل" أي فلسطين أرض إسرائيل، هؤلاء كانوا يؤسّسون ببطء شديد ويعلمون أنّه لا يوجد عدد كاف ولا قوّة عسكريّة كافية ولا يوجد تأسيس إدارات كافية، فخلقوا دولة داخل الدولة. ويذكر الدكتور عبد الوهّاب المسيري في الموسوعة في وصف الصّهيونيّة لماذا تسّمى تصريح بلفور بكلمة "براءة" أو "عقد شركة" ممّا يعني أنّ المنظّمة الصّهيونيّة العالميّة تشبه شركة استيطانيّة شبه الدولة، فهي شركة وظيفتها نقل كتلة بشريّة غربيّة وتوطينها في هذه المنطقة (فلسطين) لاستغلالها اقتصاديّا في عقد نفعي كأنّها أبرمته مع الدّولة الاستعماريّة الكبيرة (بريطانيا) بدون أن تستشير إطلاقا أو تعطي أي وزن للمالكين الأصليّين أصحاب الأراضي الفلسطينيّة أو الفلسطينيّين، ومن هنا أصبحت الحركة الصّهيونيّة عبارة عن مشروع استعماري استيطاني إحلالي متكامل يعني يستوطنون النّاس ويحلّون محلّ السّكّان الأصليّين.

الصّهيونيّة تشبه حتما الحرباء في تلوّنها، فأينما تكون مصلحتهم يقفون خلفها، ومن أجل ذلك سمّاهم الدكتور المسيري "عقد شركة نفعية".

تصريح بلفور هو الذّي حوّل الشّعار الاستيطاني السّياسي للصّهيونيّة لمشروع تحقّق بقوّة السّلاح البريطاني، وبموافقة وبصمت باقي القوى الاستعماريّة.





تصريح بلفور كان ولا زال غير قانوني في إصداره وغير أخلاقي في فعله واستبدادي في هدفه وخبيث في كلماته ومناف لكلّ حقوق الإنسان والشّرائع السّماويّة والدّوليّة، وسيظلّ من الوثائق المخزية في تاريخ القوى الاستعماريّة الغربيّة وتتحمّل الحكومة البريطانيّة بالطّبع في ذلك الوقت وزر إصداره في العلن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق