الثلاثاء، 4 يوليو 2017

فِي قَلْبِي عِتَاب ..



من داخل مشهد يخيّم عليه الظّلام، ومن قبله مشهد تحت وضح النهار، تكرّرت المأساة، وتطاير الشّرر من داخله وخارجه، والنّاس من حوله منقسمون: منهم مَن يشاهد ويكتفي بالصمت، ومنهم مَن يقف ويمدّ عينيه عسى أن يجد ضالّته، وما بين هذا وذاك يأتي من يسكب على أطراف الشّرر ماء الحياء كي يطفئه.



في زمن كثُرت فيه الفتن، واختلطت فيه المفاهيم والقيم، خيّمت على صدر الأمّة أكبر فتنة حذّرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَشدّ عَلَى الرِّجَالِ مِن النِّسَاءِ" رواه البخاري ومسلم، فتنة عصفت رياحها بكلّ ما حملناه من قيم على مرّ الدّهر، فلم تُبقِ شيئاً على حاله، حوّلت الفقيه منّا والعالم إلى بهيمة تلهث خلفها، أضاعت مجد أمّة ومزّقت الأخلاق شرّ تمزّق.
فلم يسلم منها إلّا الحصيف الذّي زان بين الأمرين وتخيّر منهما ما فيه نجاته، وصرف قلبه ونفسه عن شهواته، فحيزت له الدّنيا وعَلا شأنه فيها.


أختاه، ليتكِ تعلمين أنّه ما استقامت أمّة إلّا باستقامة نسائها، فأنتِ تاج الرّؤوس ومنبت كل فضل بعد الله، وأنتِ بانية المجد ومربّية الرّجال في كلّ العصور.
فلا توجد جوهرة في العالم أكثر قيمة من امرأة تنزّه نفسها عمّا يعاب، وتصون عرضها من الدّنس صيانة لا يقع للريبة عليها ظلّ.



تأمّلي في أحوال السّلف الطّاهر وأمّهات المؤمنين، هذه عائشة -رضي الله عنها- تقول: "كنتُ أدخل بيتي الذي دُفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبي، فأضع ثوبي فأقول: إنّما هو زوجي وأبي. فلمّا دُفن عمر معهما، فوالله ما دخلت إلّا وأنا مشدودة عليّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه"، وعندما وصف الله -تعالى- إحدى ابنتيْ شعيب حينما أتت إلى موسى بعد أن سقى لهما، لم يصف طولها أو شعرها أو لون عينيها، ولأنّها جعلت الحياء عند قدومها إليه همّها ورداءها وثيابها، فأنزل الله -تعالى- فيها: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَمَا سَقَيْتَ لَنَا) سورة القصص، فلا يمكن أن تكون المظاهر والملابس زينة حقيقيّة، فالزّينة الحقيقيّة للمرأة في أخلاقها وعفّتها.



فما نراه اليوم من حال نسائنا أرهقنا وزادنا حنيناً إلى زمن صَنعت فيه العفّة والحياء أمجاداً، وأصابتنا الحسرة على ما فات، فبات من غير المقبول كل ما نشاهده اليوم في مجتمعاتنا من انحلال وتسيّب، فحيثما تولّ وجهك تجد ما لا يرضيك من تعرٍّ وكشفٍ للعورات كاد يفوق سفور الأوروبيّات، وتتعالى الضحكات في الطرقات والمطاعم والمقاهي وداخل حرم الجامعات.
وأصبحت كثرة الاختلاط بالرّجال والمارّة دون داعٍ شيئاً معتاداً لا حرمة فيه، وصارت المحادثات في الشوارع وعلى مواقع التواصل وفي الخلوات مع غير ذوينا وكأنّها أُحلّت لنا.
لا أدري ما الذي يدفع ببعض الفتيات إلى التفريط في عفّتهن والسماح لأنفسهنّ بالدخول في علاقات محرّمة وكذلك بعض المتزوّجات لخيانة أزواجهن بأيّ شكل كان؟!
لِمَ تسمحين أن تكوني مطمع الرّجال ومحور حديثهم وهم يخوضون في عِرضكِ فيما بينهم؟


أترين أنّه كلّما نُكّست الفطرة التّي خلقنا الله عليها أو تنازلتِ عن شيء من حشمتك وحيائك ازددتِ في نظر النّاس قَدْراً وعلوّاً كبيراً؟



ما يَفرُقكِ عن فتاة بسوريّة أو بغزَة وهي ناهضة من تحت الأنقاض والقصف ُتمسك بحجابها على رأسها وترفض أن يمدّ إليها رجل يده كي يساعدها وتصرّ على أن تنهض وحيدة متناسية كل ما بها من آلام وأوجاع وكل ما بخاطرها هو عفّتها وصيانة عِرضها؟
لا تغترّي بخضرك وجمالك وزهو عقلك وتذكّري هل خُلد ذكر من فرّطت في شرفها وطهارتها يوماً؟


أختاه، ألم تتوقي إلى طُهر مريم وخديجة وفاطمة الزهراء وعائشة؟

ألم تجدي بين كل هؤلاء وغيرهنّ ما يدعوكِ للحظة أن تتأمّلي حالك الآن أين أصبحتِ منهنّ؟
أين اقتداؤكِ بهنّ؟ أين حياؤكِ؟ وأين خشيتك من خالقكِ وتقواكِ؟


ورب قبيحة ما حال بيني ** وبين ركوبها إلا الحيــاء

فكان هو الدواء لما ولكن ** إذا ذهب الحياء فـلا دواء


أختاه طريق الضياع ما أيسر مسلكه! لكن ما عاقبته؟

أختاه، ولأنّنا إخوة في الإيمان ولا يكتمل إيمان مؤمن حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، سطرتُ لكِ هذه الكلمات وما حملت من عتاب لعلّها تُجدي نفعاً وتكون سبباً في أوْبتكِ إلى الله وإلى طريق قويم تلتمسين فيه رضاه.



وإنّه ما اعتاد مثلي على أن يكون ناصحاً، ولكن رُبّ كلمة تخرج من فم عاصٍ تزيد من إيمان مؤمن..

لا تحزني ولا تيأسي وعوّضي ما فاتك والْحقي بالرّكْب، ركب العفيفات الطّاهرات، وإن قلّت وعزّت مصادفتهنّ لكنّنا موقنون بوجودهنّ رغم السّوء الذي يلتفّ حولنا، وهذا ما يهوّن علينا الأمر.


لا ترضي لنفسك بالهوان، ولا ترضي بأقلّ من زوجات الرسول عفّة وحياءً.. فلا شيء يرفع قدر المرأة كالعفّة ولا زينة لها كتاج إلا حياؤها، وإنّ من الحياء وقاراً، وإنّ من الحياء عِزاً واحتراماً!

عُودي حييّة.. عُودي طائعة نقيّة!
إنَّ الفتاةَ حديقةٌ وحياؤُها ** كالماءِ موقوفاً عليه بقاؤُها
لا خيرَ في حُسْنِ الفتاةِ وعلمِهَا ** إن كان في غير الصلاح رضاؤُها
فجمالُها وقفٌ عليها إنَّما ** للنّاس منها دينها وحياؤها


وختاماً.. أعلم أنّي قد أكون أثقلت عليكِ بالنّصح، لكن والله ما حملني على مثل هذا الكلام وأنا مدرك مدى قسوته وصعوبته إلا خوفي عليكِ، وعلى عِرضك حتى لا يدنّسه كل من سوّلت له نفسه ذلك.


وأسأل الله أن يرزقنا وإيّاكِ الهدى والتّقى والعفاف والغنى.



لقراءة نص التدوينة الأصلي على مدونات هاف بوست عربي اضغط هنا